مدونة الأسرة في المغرب: إصلاح قانوني أم سبب في تفكك الأسر؟


 مدونة الأسرة بين حماية الحقوق وتحديات الواقع الاجتماعي

السلام عليكم.
مدونة الأسرة في المغرب: بين الإصلاحات والتحديات الاجتماعية.
مقدمة:
تُعدّ مدونة الأسرة إحدى أبرز الإصلاحات القانونية والاجتماعية التي شهدها المغرب في بداية القرن الحادي والعشرين، حيث تم اعتمادها سنة 2004 بمرجعية دينية وحداثية تسعى لتحقيق التوازن بين مقاصد الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة والطفل. جاءت هذه المدونة لتعويض مدونة الأحوال الشخصية القديمة، وتهدف إلى تحقيق العدالة داخل الأسرة، تمكين المرأة، وحماية الأطفال، مع التأكيد على مبدأ المسؤولية المشتركة بين الزوجين.
من أبرز ما جاءت به المدونة:
جعل الولاية حقاً للمرأة تمارسه بإرادتها.
تقييد تعدد الزوجات بشروط صارمة.
رفع سن الزواج للفتاة إلى 18 سنة.
منح المرأة حق الطلاق عبر المحكمة (طلاق الشقاق مثلاً).
توسيع حقوق الحضانة والنفقة.
تعزيز دور القضاء في حماية حقوق الأسرة.

رغم هذه المكاسب، فإن تطبيق المدونة في الواقع العملي أثار العديد من الإشكالات، وساهم – حسب آراء بعض المتخصصين – في بروز تحديات اجتماعية من قبيل ارتفاع معدلات الطلاق، تزايد نسب العنوسة، وتفكك الأسر.
العنوسة: هل من علاقة بالمدونة؟
منذ دخول المدونة حيز التنفيذ، ظهرت مؤشرات على تراجع نسب الزواج، خصوصاً في المدن. ويرى بعض الباحثين أن:
تشدد الشروط القانونية (كطلب الإذن من القاضي لتعدد الزوجات، وضرورة التحقق من القدرة المالية) ساهم في عزوف بعض الرجال عن الزواج.
ارتفاع تكاليف الزواج وتزايد المطالب المادية للمرأة بعد تمكينها قانونياً، جعل الزواج مؤجلاً لدى الشباب.
الخوف من تعقيدات الطلاق دفع البعض إلى تجنّب الارتباط أصلاً.
وهكذا، ساهمت هذه الظروف في ارتفاع نسبة العنوسة، خصوصاً في صفوف النساء الحاصلات على تعليم عالٍ، ما خلف نوعاً من القلق الاجتماعي والضغط النفسي في أوساط معينة.

الطلاق وتشتيت الأسر
رغم أن من أهداف المدونة هو تقليص حالات الطلاق، إلا أن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع مطّرد في عدد حالات الطلاق في المغرب، حيث تجاوزت بعض السنوات حاجز 100 ألف حالة. ومن أسباب هذا الارتفاع:
تسهيل المساطر القانونية للطلاق، خصوصاً "طلاق الشقاق".
شعور بعض الأزواج والزوجات بوجود "سلاح قانوني" يمكن استعماله بسرعة عند أي خلاف.
ضعف الوساطة الأسرية وفشل المصالحة في الكثير من الملفات.
هذا الوضع أدى إلى تفكك عدد من الأسر، وترك أثراً سلبياً على الأطفال، سواء من حيث الاستقرار النفسي أو المستوى الدراسي والمعيشي.

خاتمة
مدونة الأسرة المغربية تمثل نقلة نوعية نحو ترسيخ مبدأ العدالة داخل الأسرة، وتعزيز مكانة المرأة وحقوق الطفل. لكنها، في نفس الوقت، أفرزت واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات الاجتماعية مثل العنوسة، الطلاق، وتشتيت الأسر. وهو ما يستدعي إعادة النظر في بعض بنود المدونة، وتحسين شروط تطبيقها، مع تعزيز دور التوعية والتأهيل الأسري، حفاظاً على تماسك المجتمع واستقراره.
والسلام عليكم و رحمة الله.
تعليقات