قصة كريمة عبد الحميد: براءة بعد ست سنوات من الظلم وانتظار الموت
في قرية محلة دمنة بمحافظة الدقهلية، كانت كريمة السيد عبد الحميد تعيش حياة بسيطة مع زوجها محمد عبده الشربيني وأطفالهما. لم تكن حياتهما مثالية، فقد كانت هناك خلافات زوجية، كحال الكثير من الأسر، خاصة بعدما قرر الزوج الزواج من أخرى، مما زاد من حدة التوتر داخل البيت. في أحد أيام شهر ديسمبر من عام 2017، خرج محمد كعادته وجلس في المقهى من الساعة السادسة والنصف مساءً وحتى التاسعة والنصف، ثم غادر عائدًا إلى المنزل، وبعدها بساعات قليلة عُثر عليه جثة هامدة بالقرب من شريط السكة الحديد. التقرير الطبي الشرعي كشف أن الوفاة كانت بسبب التسمم بسم فئران، وتبين وجود هذا السم في مشروب قهوة تناوله قبل الوفاة، لتبدأ حينها مأساة كريمة. بناءً على شكوك أسرية وشهادات من أقارب الزوج أكدوا وجود خلافات بينها وبينه، وجهت الشرطة الاتهام مباشرة لكريمة، وتم القبض عليها وتحويلها إلى النيابة، رغم أنها كانت وقتها مصابة بكسر في ساقها ولم تكن قادرة على الحركة. لم تكن هناك أدلة مادية دامغة على ارتكابها للجريمة، ولكن الضغط الشعبي والإعلامي وشهادة أفراد من العائلة زجت بها إلى محكمة الجنايات، وهناك صدر الحكم الصادم: الإعدام شنقًا. ارتدت كريمة البدلة الحمراء، ودخلت سجن دمنهور للنساء، لتقضي فيه قرابة ست سنوات من المعاناة، تخللتها لحظات انتظار الموت، وحرمانها من بناتها اللتين تم إيداعهما في دار رعاية بعد أن توفي والدهما وسُجنت والدتهما. لم تفقد كريمة الأمل، وكان محاميها وهدان فاروق يعمل في صمت على نقض الحكم، حتى استطاع تقديم أدلة جديدة إلى محكمة النقض، أهمها أن تقرير الطب الشرعي يحدد زمن التسمم بأربع ساعات، في حين أن محمد جلس في المقهى لساعات طويلة قبل عودته للمنزل، ما يثبت أن واقعة التسمم لم تحدث داخل المنزل إطلاقًا، وأنه تناول القهوة المسمومة خارجه، تحديدًا في المقهى. هذه المفارقة الزمنية الدقيقة كانت مفتاح البراءة، ومعها أعادت محكمة النقض النظر في القضية، لتصدر حكمها النهائي ببراءة كريمة بعد قرابة ست سنوات من السجن، بينها أربع سنوات كاملة قضتها في البدلة الحمراء تنتظر الإعدام. عند خروجها من السجن، استقبلها أهالي قريتها بزغاريد واحتفال شعبي أشبه بعرس، وعادت أخيرًا إلى حضن بناتها بعد سنوات طويلة من الحرمان والذل. كريمة قالت وهي تذرف الدموع: "كنت واثقة إن ربنا هينصفني في يوم، أنا ظلمت ظلم كبير"، وأضافت أنها لن تنسى ما مرت به أبدًا، لكن ما يهمها الآن هو احتضان أطفالها والبدء من جديد. القصة صدمت المصريين لأنها سلطت الضوء على مدى خطورة الاعتماد على الشبهات والضغط الاجتماعي في إصدار الأحكام، وأظهرت أن العدالة لا تتحقق دائمًا من أول مرة، بل قد تحتاج لصبر طويل ومحامٍ لا يمل من البحث عن الحقيقة.