اسطورة بوجلود

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث



 أسطورة بوجلود: الرجل المغطى بجلد الماعز

 قرية في جبال الأطلس

في قديم الزمان، في قرية صغيرة تُدعى تافراوت، تقع بين جبال الأطلس الوعرة، كان الناس يعيشون حياة بسيطة مليئة بالتقاليد. كان أهل القرية ينتظرون عيد الأضحى كل عام بفارغ الصبر، ليس فقط لأنه يوم ذبح الأضحية ومشاركة الطعام مع الفقراء، بل لأنه كان يوم ظهور بوجلود، الشخصية الأسطورية التي تجلب الفرحة والخوف في آن واحد.

بوجلود، أو "الرجل ذو الجلود" كما يسميه أهل القرية، كان شخصاً يرتدي جلود الماعز أو الخرفان التي تُذبح في العيد. كان يغطي وجهه بقناع مخيف مصنوع من جلد الماعز، مع قرون طويلة، ويحمل عصا يطرق بها الأرض. كان الأطفال يخافون منه ويفرحون به في نفس الوقت، لأنه كان يرقص في شوارع القرية، يطارد الأطفال، ويوزع الضحكات بين الكبار.

لكن وراء هذا التقليد الاحتفالي، كانت هناك أسطورة قديمة يحكيها شيوخ القرية حول أصل بوجلود الحقيقي.

قصة بوجلود الأول: الرجل الذي تحدى الجن

يُقال إن بوجلود الأول كان رجلاً يُدعى سي إبراهيم، عاش قبل مئات السنين في نفس القرية. كان سي إبراهيم راعياً فقيراً، لكنه كان معروفاً بشجاعته وقوته. في تلك الأيام، كانت الغابات المحيطة بتافراوت مليئة بالجن والأرواح، وكان الناس يخافون من التجوال فيها بعد غروب الشمس.

في إحدى السنوات، وفي ليلة عيد الأضحى، ذهب سي إبراهيم إلى الغابة ليبحث عن خروف ضلّ طريقه. بينما كان يمشي بين الأشجار، سمع أصواتاً غريبة، كأنها ضحكات ممزوجة بأصوات طبول بعيدة. اقترب سي إبراهيم بحذر، فوجد مجموعة من الجن تجتمع حول نار كبيرة. كانوا يرقصون ويغنون، وفي وسطهم خروف سي إبراهيم، مربوط بحبل يحرسه جني ضخم بقرون ماعز وقدمين مشعرتين.

سي إبراهيم، رغم خوفه، قرر أن يستعيد خروفه. تقدّم وقال بصوت عال: "يا أهل الغابة، هذا خروفي، وأنا جاي ناخذه!" ضحك الجني الضخم وقال: "يا ابن آدم، إذا بغيتي خرووفك، خاصك تتحداني في الرقص! إذا غلبتني، نرجعلك خرووفك، وإذا خسرت، غادي تبقى معانا في الغابة للأبد!"

تحدي الرقص

وافق سي إبراهيم على التحدي. أعطاه الجن جلد ماعز وقال له: "لبس هذا الجلد، وخليك زينا!" ارتدى سي إبراهيم الجلد، فتحوّل مظهره إلى مخيف، مع قرون بارزة وجلد يغطي جسده. بدأ الرقص، وكان الجني يرقص بسرعة وقوة، لكن سي إبراهيم، بفضل خفة حركته وشجاعته، استطاع أن يواكبه. رقصا طوال الليل، والجن يشجعون ويضربون على الطبول.

مع اقتراب الفجر، بدأ الجني يتعب، بينما كان سي إبراهيم لا يزال يرقص بنفس الحماس. أخيراً، سقط الجني على الأرض وقال: "كفى! غلبتني يا ابن آدم!" أعاد الجن الخروف لسي إبراهيم، لكنه أضاف: "من اليوم، غادي تبقى بوجلود، رمز الشجاعة والفرحة. كل عيد، غادي تلبس هاد الجلد وترجع ترقص في القرية، وغادي نعطيك بركة تحميك من الأرواح!"

عودة سي إبراهيم ونشأة التقليد

رجع سي إبراهيم إلى قريته، وهو يحمل خروفه ويرتدي جلد الماعز. لما رآه أهل القرية، خافوا في البداية، لكنه حكى لهم القصة. من يومها، قرر أهل تافراوت أن يحتفلوا بعيد الأضحى بلبس جلود الأضاحي ورقص بوجلود في الشوارع. كانوا يعتقدون أن هذا التقليد يجلب البركة والحماية من الأرواح الشريرة، ويذكّرهم بشجاعة سي إبراهيم الذي تحدى الجن وعاد سالماً.

بوجلود في العصر الحديث

مع مرور الزمن، أصبح بوجلود تقليداً شعبياً يُمارس في كل أنحاء المغرب، خاصة في المناطق الريفية مثل الأطلس والريف. في كل عيد أضحى، يلبس الشباب جلود الأضاحي، ويضعون أقنعة مخيفة، ويخرجون إلى الشوارع يرقصون ويطاردون الأطفال، بينما يضحك الكبار ويشاركون في الاحتفال. يُقال إن بوجلود يجلب الحظ الجيد، ويطرد الأرواح الشريرة، ويذكّر الناس بأهمية الشجاعة والتضامن.

الحكمة وراء الأسطورة

أسطورة بوجلود ليست مجرد قصة ترفيهية، بل تحمل معاني عميقة. تُعلّم الشجاعة في مواجهة المجهول، وتُظهر أهمية الاحتفال بالتقاليد لربط الأجيال ببعضها. كما أنها تعكس ارتباط المغاربة بالطبيعة والروحانيات، حيث كانوا يؤمنون بوجود الجن في الغابات والجبال، ويحترمون هذه الأماكن.

تحليل الأسطورة

الطابع المغربي: القصة مستوحاة من تقليد بوجلود، الذي يُمارس في المغرب حتى اليوم، خاصة في المناطق الريفية. المكان (تافراوت في جبال الأطلس) واللغة الشعبية ("غادي تبقى معانا"، "زينا") تضيفان طابعاً مغربياً أصيل.

الأصل الثقافي:

 بوجلود تقليد مغربي أمازيغي الأصل، مرتبط بالاحتفالات الوثنية القديمة التي استوعبها المجتمع المغربي بعد الإسلام. يُعتقد أن الرقص بجلود الأضاحي كان رمزاً للخصوبة والبركة في الماضي.

و السلام عليكم 


تعليقات

عدد التعليقات : 0