عاشوراء في المغرب: منذ القدم إلى يومنا هذا
أصل عاشوراء ودخولها إلى المغرب
عاشوراء، أو "يوم العاشر" بالعربية (من كلمة "عشرة"، لأنه يصادف اليوم العاشر من محرم)، هو تقليد ديني وثقافي يعود أصله إلى التقويم الإسلامي. في المغرب، بدأ الاحتفال بعاشوراء مع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، خلال فترة الفتوحات الإسلامية التي قادها الأمويون، ثم الدولة الإدريسية التي أسسها إدريس الأول (789-791 م) في المغرب.
في البداية، كان يوم عاشوراء يُحتفل به كما ورد في السنة النبوية: يوم صيام ودعاء، تيمناً بنجاة النبي موسى وقومه من فرعون. يُروى أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يصوم هذا اليوم وأوصى بصيامه، وقال: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، فصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده". هذا التقليد الديني انتقل إلى المغرب مع انتشار الإسلام، وكان المغاربة في العصور الأولى يحتفلون به بالصيام والدعاء.
لكن مع مرور الوقت، وخاصة خلال العصر الفاطمي (909-1171 م) والعصر الموحدي (1121-1269 م)، بدأت عاشوراء تكتسب طابعاً شيعياً في بعض المناطق، حيث أصبحت مرتبطة بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي في معركة كربلاء عام 61 هـ (680 م). لكن في المغرب، الذي ظل متمسكاً بالمذهب المالكي السني، لم يُركز الناس على هذا الجانب بقدر ما دمجوا عاشوراء مع التقاليد المحلية الأمازيغية والعادات الشعبية.
عاشوراء في العصور الوسطى: مزيج من الدين والثقافة
خلال العصور الوسطى، وخاصة في العصر المريني (1244-1465 م) والعصر السعدي (1549-1659 م)، بدأت عاشوراء في المغرب تتحول إلى احتفال شعبي يمزج بين الطابع الديني والثقافي. كان المغاربة يصومون اليوم التاسع والعاشر من محرم، ويتبادلون الزيارات العائلية، ويوزعون الصدقات على الفقراء. لكن الجانب الأبرز كان ظهور طقوس شعبية مستوحاة من التراث الأمازيغي:
"بابا عاشور" أو "بابا أشور": كان الأطفال يصنعون دمية من القماش تُمثل شخصية "بابا عاشور"، وهو رمز للخصوبة والبركة في الثقافة الأمازيغية. كانوا يطوفون بها في القرية ويغنون أهازيج مثل "بابا عاشور، عطيني الزيت والدقيق".
رش الماء: كان الناس يرشون الماء على بعضهم في اليوم العاشر، وهو تقليد أمازيغي يرمز إلى التطهير والبركة، ويُعتقد أنه يجلب الأمطار والخير للعام الجديد.
إشعال النيران: في بعض المناطق، كانوا يشعلون النيران في الساحات العامة، وهو تقليد مرتبط بالاحتفال برأس السنة الأمازيغية (ياناير) لكنه اندمج مع عاشوراء.
في هذه الفترة، كان المغاربة يعتبرون عاشوراء مناسبة للتضامن الاجتماعي. كان الأغنياء يوزعون الطعام على الفقراء، ويُحضرون أطباقاً خاصة مثل الكسكس بالزبيب أو الحلويات التقليدية مثل "الفقاص" و"الشباكية".
عاشوراء في العصر الحديث (القرن 19 إلى القرن 20)
مع دخول العصر الحديث، وخاصة خلال فترة الحماية الفرنسية (1912-1956)، استمرت عاشوراء في المغرب كتقليد شعبي، لكنها تأثرت بالتحولات الاجتماعية. في المدن الكبرى مثل فاس والرباط، أصبحت عاشوراء أكثر تركيزاً على الجانب الديني، حيث كان الناس يصومون ويحيون المجالس الدينية بالدعاء وقراءة القرآن. أما في القرى والمناطق الريفية، فقد حافظت على طابعها الشعبي:
الألعاب التقليدية: كان الأطفال يلعبون بـ"المقارع" (عصي صغيرة تُستخدم للطرق على الأبواب) ويطوفون في الأحياء لجمع الحلويات والفواكه المجففة.
الأهازيج: كانت الأهازيج الشعبية جزءاً أساسياً من الاحتفال، مثل "عاشوراء يا عاشوراء، عطيني الزبيب والفقاص".
الزيارات العائلية: كانت العائلات تتجمع لتناول وجبات مشتركة، وكان الأطفال يتلقون هدايا بسيطة مثل الدفوف الصغيرة أو "الطعريجة" (لعبة دوّارة تُصدر صوتاً).
خلال هذه الفترة، بدأت بعض الطقوس تُثير جدلاً دينياً. بعض العلماء المالكيين، مثل الشيخ محمد بن جعفر الكتاني في القرن 19، انتقدوا طقوس مثل إشعال النيران ورش الماء، معتبرين أنها بدعة أو تقليد وثني لا يتماشى مع الإسلام. لكن هذه الطقوس ظلت راسخة في الثقافة الشعبية، خاصة في المناطق الأمازيغية.
عاشوراء في المغرب المعاصر (القرن 21 حتى 2025)
في العقود الأخيرة، تغيّرت مظاهر عاشوراء في المغرب بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، لكنها ظلت تحتفظ بجوهرها كمناسبة دينية وثقافية. حتى يومنا هذا (9 مايو 2025)، يحتفل المغاربة بعاشوراء بطرق متنوعة:
الجانب الديني: لا يزال الكثيرون يصومون يومي التاسع والعاشر من محرم، ويوزعون الصدقات على الفقراء. في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، تُنظم مجالس دينية في المساجد لتذكير الناس بفضل هذا اليوم.
الجانب الشعبي: الأطفال هم نجوم عاشوراء في المغرب. يشتري الآباء ألعاباً تقليدية مثل "الطعريجة" والدفوف، ويُغنون أهازيج مثل "عاشوراء يا عاشوراء، عطيني الفواكه والزبيب". في بعض المناطق، لا يزال تقليد رش الماء موجوداً، خاصة في القرى.
الأطباق التقليدية: تُحضّر العائلات أطباقاً خاصة مثل الكسكس بالفواكه المجففة أو "البازين" (طبق أمازيغي يُصنع من دقيق الشعير). كما تُوزّع الحلويات مثل "الفقاص" و"الغريبة".
التضامن الاجتماعي: عاشوراء تُعتبر مناسبة لدعم الفقراء. في 2025، نظّمت جمعيات خيرية في مدن مثل مراكش وفاس حملات لتوزيع الملابس والألعاب على الأطفال المحتاجين بمناسبة عاشوراء.
التغيرات الحديثة والجدل
في السنوات الأخيرة، ظهرت تغيرات في احتفالات عاشوراء بسبب العولمة والتحديث:
الألعاب الحديثة: بدلاً من الألعاب التقليدية مثل "الطعريجة"، أصبح بعض الأطفال يفضلون الألعاب الإلكترونية أو المسدسات البلاستيكية التي تُصدر أصواتاً، وهو ما أثار انتقادات من الآباء الذين يرون أن هذه الألعاب تُفقد عاشوراء طابعها التقليدي.
الجدل الديني: لا يزال بعض العلماء ينتقدون بعض طقوس عاشوراء، مثل رش الماء أو إشعال النيران، معتبرين أنها بعيدة عن الدين. في 2024، أصدرت وزارة الأوقاف المغربية بياناً دعت فيه إلى التركيز على الجانب الديني لعاشوراء (الصيام والصدقة) بدلاً من الطقوس الشعبية.
تأثير وسائل التواصل: في 2025، انتشرت مقاطع فيديو على منصات مثل تيك توك وإنستغرام تُظهر احتفالات عاشوراء في المغرب، حيث شارك شباب صوراً لهم وهم يوزعون الهدايا على الأطفال أو يغنون أهازيج تقليدية، مما ساهم في إحياء الاهتمام بهذا التقليد بين الجيل الجديد.
معاني عاشوراء اليوم
عاشوراء في المغرب ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي احتفال ثقافي يعكس الهوية المغربية المتنوعة. تجمع بين الإسلام والتقاليد الأمازيغية، وبين الدين والفرح الشعبي. إنها مناسبة للتضامن الاجتماعي، حيث يتذكر الأغنياء الفقراء، ويحتفل الأطفال ببراءة، وتتجدد الروابط العائلية.
خلاصة
عاشوراء في المغرب بدأت كتقليد ديني إسلامي في القرن السابع مع الصيام والدعاء، ثم تطورت عبر العصور لتصبح احتفالاً شعبياً يمزج بين الإسلام والتقاليد الأمازيغية. في العصور الوسطى، ظهرت طقوس مثل "بابا عاشور" ورش الماء، وفي العصر الحديث أصبحت مناسبة للتضامن الاجتماعي والفرح. حتى 2025، لا تزال عاشوراء تحتفظ بجوهرها، رغم تغيرات مثل استخدام الألعاب الحديثة والجدل الديني حول بعض الطقوس.
سؤال: كيف تحتفل بعاشوراء في مدينتك أو قريتك ؟ شاركنا ذكرياتك في التعليقات و شكرا.
و السلام عليكم .