قصة محامي
الولادة والنشأة
وُلد محمد زيان في 14 فبراير 1943 في مدينة مالقة بإسبانيا، وهي المدينة التي كانت آنذاك تحت السيطرة الإسبانية. عاش طفولته في بيئة متواضعة، لكنها كانت غنية بالتنوع الثقافي بسبب الوجود العربي الأندلسي في المنطقة. عائلته كانت من أصول مغربية، وقررت العودة إلى المغرب بعد الاستقلال عام 1956. استقرت العائلة في الرباط، حيث بدأ زيان مسيرته التعليمية.
التعليم وبداية المشوار المهني
محمد زيان أظهر شغفاً بالدراسة منذ صغره. التحق بالمدارس المغربية بعد عودة عائلته، وأكمل تعليمه الثانوي في الرباط. بعد ذلك، درس القانون وحصل على شهادة عليا في القانون من جامعة محمد الخامس بالرباط. خلال دراسته، تأثر بالأفكار اليسارية المنتشرة في تلك الفترة، خاصة في أوساط الطلبة المغاربة، وانضم إلى تيارات شيوعية كانت تدعو إلى العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي.
في أواخر الستينيات، بدأ زيان مسيرته المهنية كمحامٍ، وسرعان ما أصبح معروفاً بجرأته في الدفاع عن القضايا الحساسة. انضم إلى هيئة المحامين بالرباط، وأصبح في وقت لاحق نقيباً للمحامين، مما منحه مكانة مرموقة في الأوساط القانونية المغربية.
الانخراط السياسي والتحولات الفكرية
في السبعينيات، كان زيان شيوعياً متطرفاً، وكان معروفاً بمواقفه الحادة ضد النظام. يروي بعض رفاقه أنه كان مستعداً لاستخدام العنف في المناقشات مع خصومه الإيديولوجيين. لكن في تلك الفترة، مرّ بأزمة عاطفية أثرت عليه بعمق، حيث تزوج من طالبة طب مكناسية تُدعى عفيفة الهلالي، ابنة إبراهيم الهلالي، أحد أقطاب حزب الشورى والاستقلال. هذه الأزمة قادته إلى تحول فكري جذري، حيث انتقل من أقصى اليسار إلى اليمين، وأصبح أقرب إلى النظام المغربي.
في الثمانينيات، انضم زيان إلى حزب الاتحاد الدستوري، لكنه لاحقاً انتقد الحزب ووصفه بأنه ليس ليبرالياً كما يدّعي، فغادره. خلال هذه الفترة، انتُخب نائباً في البرلمان المغربي عن الحزب بين 1980 و1995، واكتسب شهرة واسعة بسبب مواقفه السياسية.
وزارة حقوق الإنسان و"محامي الدولة
في عام 1996، عُيّن محمد زيان وزيراً منتدباً لحقوق الإنسان في حكومة عبد اللطيف الفيلالي، خلال عهد الملك الحسن الثاني، واستمر في منصبه حتى 1997. كانت هذه الفترة حساسة في تاريخ المغرب، حيث كان النظام يحاول تحسين صورته دولياً في مجال حقوق الإنسان بعد سنوات من القمع. استقال زيان من منصبه بعد عامين، لكنه استمر في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان كمحامٍ.
في التسعينيات، اشتهر زيان بلقب "محامي الدولة" بسبب دوره في قضية الزعيم النقابي اليساري محمد نوبير الأموي عام 1992. نوبير، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اتُهم بوصف وزراء الحكومة بـ"اللصوص" في حوار مع صحيفة "الباييس" الإسبانية. زيان كان المحامي الوحيد الذي دافع عن الحكومة في هذه القضية، بينما تطوع 1300 محامٍ للدفاع عن نوبير. هذا الموقف جعل زيان شخصية مثيرة للجدل، حيث اعتبره البعض خادماً للنظام، بينما رأى آخرون أنه كان يؤدي واجبه كمحامٍ.
تأسيس الحزب المغربي الليبرالي ومواقفه الناقدة
في عام 2001، أسس محمد زيان الحزب المغربي الليبرالي، وأصبح منسقاً وطنياً له. اختار شعار الأسد لحزبه، مستوحياً من صورة أسد مشهورة على علب أعواد الثقاب المغربية، لكن هذا الاختيار لم يحقق النجاح المتوقع. زيان عُرف بمواقفه الناقدة للأوضاع السياسية في المغرب. وصف حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي عام 1998 بأنها "تناوب ممنوح" و"غير مجدية"، وقال إنها "مثل ذبابة اعتلت ذيل حمار". كما انتقد وزير الداخلية إدريس البصري ووصفه بـ"حالة مارقة"، واعتبر الأحزاب السياسية المغربية "مخلوقات أوجدها النظام وفرضتها قوى أجنبية".
زيان أيضاً أدلى بتصريحات جريئة، مثل قوله إن "المغرب تحكمه فرنسا"، وهو ما جعله هدفاً لانتقادات النظام. لكنه ظل يصف نفسه بـ"المناضل الليبرالي الوحيد"، مؤكداً أنه لا يخشى شيئاً في سن الثمانين، قائلاً: "لم يعد لدي ما أخسره، وأبحث الآن عن الآخرة".
اعتقاله الأول في 2022
في 21 نوفمبر 2022، اعتقلت قوات الأمن المغربية محمد زيان من مكتبه في الرباط، بعد أن أيدت محكمة الاستئناف بالرباط حكماً ابتدائياً صدر في فبراير 2022 يقضي بحبسه 3 سنوات نافذة بتهم متعددة، منها:
إهانة القضاء ومؤسسات الدولة.
انتهاك قيود الطوارئ الصحية خلال جائحة كوفيد-19.
تهم جنسية، بما في ذلك التحرش الجنسي و"نشر ادعاءات ضد امرأة بسبب جنسها".
زيان أُودع سجن العرجات في سلا، واعتبر العديد من الحقوقيين أن اعتقاله كان انتقاماً سياسياً بسبب مواقفه المعارضة وانتقاداته للأجهزة الأمنية، خاصة بعد تصريحاته ضد عبد اللطيف حموشي، مدير الشرطة ورئيس الاستخبارات الداخلية المغربية (DGST). منظمات حقوقية، مثل "الكرامة"، رأت أن التهم الموجهة إليه مرتبطة بأنشطته السلمية كمعارض سياسي، وأن بعض الاتهامات الجنسية كانت ملفقة لتشويه سمعته، وهي ممارسة شائعة ضد المعارضين في المغرب.
سجنه الثاني في 2024
في 20 يوليو 2024، أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط حكماً جديداً بحبس محمد زيان 5 سنوات نافذة بتهمة "اختلاس وتبديد أموال الدعم العمومي" المخصصة للحزب المغربي الليبرالي. هذا الحكم أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره ابنه، المحامي علي زيان، "حكماً بالمؤبد" نظراً لتقدم والده في السن (81 عاماً). حقوقيون طالبوا بالرأفة به بسبب حالته الصحية، بينما رأى آخرون أنه يستحق عقوبة أقسى إذا ثبتت التهم.
حالته الصحية والاستياء الشعبي في 2025
في 20 مايو 2025، ظهر محمد زيان أمام المحكمة في قضية ثانية تتعلق بعدم إرجاع مستحقات مالية للدولة، لكن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2023 برّأه من هذه التهمة. الصور التي انتشرت لزيان في المحكمة أثارت موجة استياء واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. بدا هزيلاً ويعاني من المرض، مما دفع نشطاء حقوقيين مثل حسن بناجح ومحمد بنساسي إلى وصف المشهد بـ"المؤلم" و"غير اللائق بوطننا". الناشط يحيى شوطة وصف الوضع بأنه "نقطة سوداء كبيرة" في تاريخ المغرب، مطالبين بالإفراج عنه بسبب سنه وحالته الصحية.
في 7 مايو 2025، عقدت محكمة الاستئناف بالرباط جلسة أخرى لمحاكمة زيان، حيث دفع هيئة دفاعه ببطلان الاستدعاء السابق لأسباب إجرائية (توصله بالاستدعاء في يوم عطلة، وقلة الأجل القانوني). ابنه علي زيان كشف عن خروقات خطيرة في المحاكمة، قائلاً: "ما كشفه والدي يستحق اعتذاراً رسمياً من الدولة، وليس مجرد براءة".
وضعه الحالي (9 مايو 2025)
حتى اليوم، 9 مايو 2025، لا يزال محمد زيان مسجوناً في سجن العرجات. يقضي عقوبة 3 سنوات (منذ 2022) وعقوبة 5 سنوات (منذ 2024)، مما يعني أنه قد يبقى في السجن حتى 2029 إذا لم يُفرج عنه مبكراً. حالته الصحية مقلقة، وسنه المتقدم (82 عاماً) جعل وضعه محور نقاش حقوقي وسياسي. في 14 مايو 2024، قدمت منظمة "الكرامة" قضيته إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، معتبرة أن سجنه تعسفي وينتهك القانون الدولي.
إرثه وأهميته
محمد زيان شخصية مثيرة للجدل في تاريخ المغرب. كان مدافعاً عن حقوق الإنسان، لكنه اتُهم بدعم النظام في فترات معينة. مواقفه الناقدة جعلته رمزاً للمعارضة بالنسبة للبعض، بينما رأى آخرون أن تصرفاته كانت متناقضة. في 8 مايو 2025، أشار زيان في تصريح من المحكمة إلى أنه كان خبيراً بارزاً في حقوق الإنسان، وأدار ملفات حساسة أثناء توليه الوزارة، بهدف استقطاب منظمات دولية مثل "أمنستي".
خلاصة
محمد زيان (1943-الآن) هو محامٍ وسياسي مغربي وُلد في مالقة بإسبانيا. درس القانون، وأصبح نقيباً للمحامين، ووزيراً لحقوق الإنسان (1996-1997). أسس الحزب المغربي الليبرالي عام 2001، واشتهر بمواقفه الناقدة. اعتقل في 2022 وحُكم عليه بـ3 سنوات بتهم متعددة، ثم بـ5 سنوات في 2024 بتهمة الاختلاس. حتى 9 مايو 2025، لا يزال مسجوناً في سجن العرجات، وحالته الصحية مقلقة، مما أثار استياءً شعبياً واسعاً.
سؤال : ما رأيك في مسيرة محمد زيان؟ هل تعتقد أن سجنه عادل أم تعسفي؟ اكتب لنا في التعليقات مشكورا.
والسلام عليكم و رحمة الله .