محمد الزرقطوني: بطل المقاومة في عيون الجرائد

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث



 محمد الزرقطوني

أيقونة المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي

نشأته وطفولته

محمد الزرقطوني وُلد عام 1927 في المدينة القديمة بالدار البيضاء، بحي درب السوينية، وهو حي شعبي كان مركزاً للنشاط الوطني آنذاك. كان والده، الذي يُدعى محمد الزرقطوني أيضاً، مقدم زاوية الحمدوشية، وهي زاوية صوفية معروفة في المغرب، بينما كانت والدته خدوج بنت رايس من مدينة فاس. كان محمد الابن الأكبر في العائلة، ولديه ثلاث أخوات.

نشأ في بيئة دينية ووطنية، حيث بدأ تعليمه في زاوية الحمدوشية التي كان والده يديرها. هناك تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم. لاحقاً، التحق بمدرسة عبدلاوي، وهي إحدى المدارس الحرة التي أسسها الوطنيون المغاربة في أوائل الأربعينيات لتعليم العلوم الدينية والحديث بعيداً عن النظام الفرنسي. في سن 15-16، قرر الزرقطوني أن يصبح مستقلاً مالياً، فترك المدرسة وبدأ العمل، لكنه ظل مهتماً بالقراءة ومتابعة الأخبار، خاصة الصحف الغربية، مما ساهم في تكوين وعيه السياسي مبكراً.

انضمامه إلى الحركة الوطنية

في أوائل الأربعينيات، وبينما كان لا يزال مراهقاً (16 عاماً تقريباً)، انضم محمد الزرقطوني إلى الحركة الوطنية المغربية التي كانت تناضل ضد الاستعمار الفرنسي. كانت الدار البيضاء في تلك الفترة مركزاً مهماً للنشاط الوطني، خاصة بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944. انضم الزرقطوني إلى المنظمة السرية، وهي مجموعة مقاومة مسلحة شكّلها الوطنيون لتنفيذ عمليات ضد المصالح الفرنسية.

دوره في المقاومة المسلحة

محمد الزرقطوني اشتهر بشجاعته وذكائه في تنظيم العمليات المسلحة ضد السلطات الفرنسية. كان عضواً بارزاً في خلية المقاومة بالدار البيضاء، وشارك في العديد من العمليات الفدائية التي استهدفت المسؤولين الفرنسيين والمتعاونين معهم. من أبرز العمليات التي قادها:

تفجير السوق المركزي بالدار البيضاء (1953): نفّذ هذه العملية رداً على نفي السلطان محمد الخامس في أغسطس 1953، بهدف زعزعة الأمن الفرنسي وإظهار قوة المقاومة المغربية. كانت هذه العملية بمثابة رسالة واضحة للسلطات الاستعمارية بأن الشعب المغربي لن يستسلم.

استهداف المتعاونين مع الاستعمار: كان الزرقطوني يركز على استهداف الأشخاص الذين يتعاونون مع الفرنسيين، ويعتبرهم خائنين للوطن. عملياته كانت دقيقة ومخطط لها بعناية، مما جعله أحد أهم قادة المقاومة في المنطقة.

بسبب نشاطه البارز، أصبح الزرقطوني هدفاً رئيسياً للسلطات الفرنسية، التي وضعت مكافأة مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن مكانه.

اعتقاله واستشهاده

في يونيو 1954، تمكنت السلطات الفرنسية من القبض على محمد الزرقطوني بعد أن خانه أحد المقربين منه. أُودع في السجن، حيث تعرض لتعذيب شديد من أجل انتزاع معلومات عن زملائه في المقاومة وعن الخلايا السرية التي كان يديرها. لكن الزرقطوني أظهر صلابة نادرة، ورفض الكشف عن أي معلومات، حتى تحت التعذيب الوحشي.

في 18 يونيو 1954، وبعد أيام من التعذيب، قرر الزرقطوني إنهاء حياته بنفسه لئلا يضعف ويكشف عن أسرار المقاومة. كان يحتفظ بحبة سمّ (يُقال إنها كانت مخبأة في خاتم أو ملابسه)، فتناولها واستشهد على الفور. هذا القرار جعله رمزاً للتضحية والوفاء، حيث يُقال إنه "اختار الموت على خيانة الشعب والوطن".

ما قالته الجرائد عن محمد الزرقطوني

محمد الزرقطوني كان شخصية أثارت اهتمام الجرائد المحلية والدولية في تلك الفترة، خاصة بعد عملياته الجريئة واستشهاده. وفقاً لما وثّقته الصحف في الخمسينيات:

جريدة "المقاوم" المغربية (1953): بعد تفجير السوق المركزي بالدار البيضاء، نشرت الجريدة تقريراً سرياً يُوزّع بين الوطنيين، وصفت فيه الزرقطوني بـ"الشاب الشجاع الذي أرعب الفرنسيين". ذكرت أنه كان يُلقب بـ"شبح الدار البيضاء" لأنه كان يظهر ويختفي بسرعة بعد كل عملية.

جريدة "Le Monde" الفرنسية (1954): بعد اعتقاله واستشهاده، كتبت الجريدة الفرنسية تقريراً عن "الإرهابي المغربي" الذي نفّذ هجمات ضد المصالح الفرنسية. وصفته بأنه "شاب لا يتجاوز 27 عاماً، لكنه كان قائداً خطيراً للمقاومة". الجريدة أشارت إلى أن السلطات الفرنسية فشلت في انتزاع أي معلومات منه، وأنه "انتحر بتناول السم" ليحافظ على أسرار زملائه.

إذاعة القاهرة (1954): في بيان إذاعي، نعت إذاعة القاهرة محمد الزرقطوني بـ"الشهيد البطل"، ودعت الشعب المغربي إلى مواصلة النضال على دربه. كانت هذه الإذاعة منبراً مهماً لدعم حركات التحرر في العالم العربي آنذاك.

هذه الأخبار تُظهر كيف كان الزرقطوني شخصية مثيرة للجدل: بطل وطني في عيون المغاربة، و"إرهابي" في نظر الفرنسيين. لكن الجميع اتفق على شجاعته وإخلاصه لقضيته.

إرثه وتخليده

بعد استشهاده، أصبح محمد الزرقطوني رمزاً وطنياً في المغرب، ويُحتفل بذكراه كل عام في 18 يونيو. قصته ألهمت أجيالاً من المغاربة، وجعلته أيقونة للشجاعة والإخلاص. بعد الاستقلال عام 1956، تم تخليد اسمه في العديد من المدن المغربية:

شارع محمد الزرقطوني: في قرية بن قريش، كان يُعرف سابقاً بشارع الجنرال فرانكو، ثم أُعيدت تسميته تكريماً للزرقطوني.

مجموعة مدارس زرقطوني: تُعد من المؤسسات التعليمية المعروفة في المغرب، وتحمل اسمه تقديراً لدوره في النضال الوطني.

محمد الزرقطوني ليس مجرد شخصية تاريخية، بل رمز للنضال والتضحية. قصته تُذكّر الشباب المغربي بأهمية الدفاع عن الوطن، حتى لو كان الثمن باهظاً
، قصة الزرقطوني تُبرز دور الشباب في تحقيق الاستقلال، وتُعزز قيم الشجاعة والوفاء.

سؤال "ما الذي تعرفه عن محمد الزرقطوني؟ هل سمعت قصته في الصحف أو من أهلك؟ 

و السلام عليكم .


تعليقات

عدد التعليقات : 2