السلطانة الحرة: حكاية شعبية من قلب الشاون

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث

بسم الله الرحمن الرحيم  اهلا بمحبي موقع * ذاكرة مغربية *

السيدة الحرة: أميرة الجهاد البحري وحاكمة تطوان والشاون

نشأتها ونسبها

السيدة الحرة، التي تُعرف أيضاً بـفاطمة بنت علي بن راشد العلمي، وُلدت عام 1485 في مدينة الشاون بشمال المغرب. كانت تنتمي إلى عائلة شريفة من أحفاد الأندلسيين الذين هاجروا إلى المغرب بعد سقوط غرناطة عام 1492. والدها هو الأمير مولاي علي بن موسى بن راشد العلمي، وهو من أشراف الأندلس الذين استقروا في الشاون بعد طردهم من إسبانيا. أما أخاها فكان إبراهيم بن راشد، الذي أصبح لاحقاً الصدر الأعظم في البلاط الوطاسي بفاس.

سُمّيت "الحرة" تيمناً بـعائشة الحرة، والدة أبو عبد الله الأحمر (المعروف أيضاً بمحمد الثاني عشر)، آخر ملوك غرناطة. هذا اللقب كان يُطلق على النساء الشريفات ذوات النفوذ والقوة في المجتمع، وهو ما أصبحت عليه السيدة الحرة لاحقاً.

زواجها الأول وزيادة نفوذها

في عام 1510، تزوجت السيدة الحرة من أحمد المنظري، وهو أمير تطوان من أصول أندلسية أيضاً، وكان من نسل عائلة بني المنظري التي حكمت المنطقة. كانت تطوان في تلك الفترة مدينة صغيرة تُعاني من الدمار بسبب هجمات المستعمرين الإسبان والبرتغاليين، الذين كانوا يسيطرون على مدن الساحل مثل سبتة وطنجة. بعد زواجها، بدأت السيدة الحرة تلعب دوراً مهماً في إعادة بناء تطوان. ساعدت زوجها في تنظيم المدينة، استقطاب الأندلسيين المهاجرين، وبناء اقتصاد قوي يعتمد على التجارة البحرية.

بعد وفاة أحمد المنظري عام 1515، تولّت السيدة الحرة حكم تطوان بنفسها، وهي في الثلاثين من عمرها. لم تكن مجرد وصية على العرش، بل أصبحت حاكمة فعلية، وهو أمر نادر في تلك الفترة. استطاعت أن تفرض سلطتها بفضل ذكائها السياسي وحكمتها، وأصبحت تُعرف بـ"أميرة الجهاد البحري" بسبب دورها في مقاومة المستعمرين.

زواجها الثاني من السلطان أبو العباس الوطاسي

في عام 1541، وبعد أن أثبتت قوتها كحاكمة لتطوان، تزوجت السيدة الحرة من السلطان أبو العباس أحمد الوطاسي، سلطان الدولة الوطاسية في فاس (حكم بين 1526-1545 و1547-1549). هذا الزواج كان تحالفاً سياسياً أكثر منه عاطفياً، لأنه ساعد السيدة الحرة على تعزيز نفوذها في شمال المغرب، بينما ساعد السلطان الوطاسي على تقوية سلطته في مواجهة التهديدات الخارجية.

بعد زواجها من السلطان، انتقلت السيدة الحرة إلى فاس لفترة قصيرة، لكنها لم تتخلّ عن حكم تطوان والشاون. كانت تدير المدينتين من بعيد، وتُرسل تعليماتها إلى مساعديها الموثوقين. في الوقت نفسه، كان لها تأثير كبير في البلاط الوطاسي، حيث أصبحت مستشارة للسلطان في القضايا السياسية والعسكرية.

دورها في الجهاد البحري

السيدة الحرة اشتهرت بلقب "أميرة الجهاد البحري" بسبب دورها في تنظيم العمليات البحرية ضد السفن الإسبانية والبرتغالية في البحر الأبيض المتوسط. في تلك الفترة، كانت الدولة الوطاسية تُعاني من ضعف عسكري، والمستعمرون كانوا يهاجمون السواحل المغربية باستمرار. السيدة الحرة قررت أن تقاوم هذا التهديد بنفسها:

تنظيم الأسطول البحري: جهّزت أسطولاً صغيراً من السفن في تطوان، واستخدمته لمهاجمة السفن التجارية الإسبانية والبرتغالية. كانت هذه العمليات تُعرف بـ"الجهاد البحري" أو "القرصنة المغربية"، وكانت تهدف إلى قطع خطوط الإمداد عن المستعمرين.

التحالف مع القراصنة: 

تعاونت مع قراصنة مغاربة وأتراك (مثل القرصان خير الدين بربروس)، مما ساعدها على تقوية أسطولها وزيادة فعاليتها ضد العدو.

حماية الأندلسيين المهاجرين: كانت السيدة الحرة تُؤمّن طرق الهجرة للمسلمين الأندلسيين الذين كانوا يفرّون من الاضطهاد في إسبانيا، وتستقبلهم في تطوان والشاون.

بفضل هذه الجهود، أصبحت السيدة الحرة مصدر إزعاج كبير للمستعمرين. الإسبان كانوا يلقبونها بـ"الساحرة المغربية"، لأنهم كانوا يعتقدون أن امرأة لا يمكن أن تكون بهذه القوة إلا إذا كانت تستخدم السحر!

حكمها لتطوان والشاون (1515-1542)

خلال الفترة ما بين 1515 و1542، كانت السيدة الحرة الحاكمة الفعلية لتطوان والشاون. أبرز إنجازاتها في هذه الفترة:

إعادة بناء تطوان: بعد أن دمّرها الإسبان في أواخر القرن الخامس عشر، أعادت السيدة الحرة بناء المدينة. استقطبت الأندلسيين المهاجرين، وبنت أسواقاً جديدة، وأعادت الحياة إلى تطوان حتى أصبحت مركزاً تجارياً مهماً.

حماية الشاون: 

عزّزت أسوار الشاون، ونظّمت قوات محلية لحماية المدينة من هجمات المستعمرين. كما ساعدت في تنظيم التجارة بين الشاون وفاس.

دعم الفقراء والمحتاجين: كانت السيدة الحرة معروفة بكرمها، حيث كانت تُوزّع الأموال والطعام على الفقراء، وتُشرف على بناء المساجد والمدارس.

نهايتها وإرثها

بعد أن تنحّت عن الحكم الفعلي في تطوان عام 1542، عاشت السيدة الحرة في الشاون، حيث قضت أواخر حياتها بعيداً عن السياسة. توفيت عام 1561، ودُفنت في الشاون، حيث لا يزال قبرها موجوداً حتى اليوم، ويُعتبر مزاراً تاريخياً.

السيدة الحرة تركت إرثاً عظيماً في المغرب. كانت أول امرأة تحكم مدينة في المغرب، وأثبتت أن النساء قادرات على قيادة المقاومة والحكم بكفاءة. دورها في الجهاد البحري ساهم في إضعاف نفوذ المستعمرين في شمال المغرب، وحماية الهوية الإسلامية للمنطقة. قصتها تحولت مع الوقت إلى أسطورة شعبية، كما رأينا في الحكاية السابقة، لكن تاريخها الحقيقي لا يقل أهمية.

اهمية السيدة الحرة اليوم

السيدة الحرة تُعتبر رمزاً للمرأة المغربية القوية والمستقلة. قصتها تُظهر أن النساء لعبن دوراً مهماً في تاريخ المغرب، سواء في المقاومة أو في الحكم. في سياق مدونتك "ذاكرة مغربية"، قصتها تُبرز دور النساء في النضال ضد الاستعمار، وتُعزز قيم الشجاعة والحكمة.

خلاصة

السيدة الحرة (1485-1561) كانت أميرة الجهاد البحري في شمال المغرب، وحاكمة تطوان والشاون بين 1515 و1542. تزوجت أحمد المنظري أمير تطوان، ثم السلطان أبو العباس الوطاسي. قادت مقاومة بحرية ضد الإسبان والبرتغاليين، وأعادت بناء تطوان، وتركت إرثاً عظيماً كأول امرأة تحكم مدينة في المغرب. 

 سؤال: ما رأيك في دور السيدة الحرة في مقاومة الاستعمار؟ هل تعرف نساء أخريات في تاريخ المغرب كنّ مثلها? اكتب لنا في التعليقات . و شكرا 

و السلام عليكم و رحمة الله 


تعليقات

عدد التعليقات : 0